فصل: المفردات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب التفسير الواضح:

سورة الإخلاص مكية. وآياتها أربع آيات، وهي سورة التوحيد والتنزيه للّه- سبحانه وتعالى- وهذا هو الأصل الأول والركن الركين للإسلام لذلك ورد أنها تعدل ثلث القرآن في ثواب قراءتها إذ الأصول العامة ثلاثة: التوحيد، تقرير الحدود وأعمال الخلق، وذكر أحوال يوم القيامة، ولا حرج على فضل اللّه الذي يهب لمن يقرؤها بتدبر وتفهم مثل ما يهبه لقارئ ثلث القرآن.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الإخلاص: الآيات 1- 4]
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد (4)}

.المفردات:

أحد: وأحد في ذاته وصفاته وأفعاله. الصَّمَدُ: المقصود وحده في قضاء الحوائج. كُفُوًا: مكافئا ومماثلا ونظيرا.

.المعنى:

هذا هو الأساس الأول، والمهمة الأولى التي جاء إليها النبي صلى الله عليه وسلم فشمر عن ساعد الجد، وأخذ يدعو الناس إلى التوحيد، وعبادة اللّه الواحد لهذا أمر في هذه السورة بأن يقول للناس: هو اللّه أحد.
قل لهم يا محمد: الخبر الحق المؤيد بالصدق، والبرهان القاطع هو اللّه أحد، فاللّه وأحد في ذاته ليس مركبا ولا متعددا، وأحد في صفاته فليس لغيره صفة تماثله، ووأحد في أفعاله فليس لغيره فعل يدانى فعله أو يشبهه.
ولعل تصدير الكلام بضمير الشأن- هو- للتنبيه من أول الأمر على فخامة الكلام الآتي، ولبيان أنه من الخطورة والروعة ما يجعلك تبحث عنه وتلتفت إليه. وذلك أن الضمير يدعوك إلى ترقب ما بعده، فإذا جاء تفسيره وتوضيحه تمكن في النفس أي تمكن، ولعلك تسأل: أما كان الأولى أن يقال: اللّه الأحد بدل أحد؟ والجواب على ذلك: أن المقصود إثبات أن اللّه- جل جلاله- وأحد ليس متعددا في ذاته، ولو قيل اللّه الأحد لأفادت العبارة أنهم يعتقدون الوحدانية ويشكون في ثبوتها للّه. مع أن المقصود نفى العدد لأنهم كانوا يعتقدونه ولهذا قال: اللّه أحد اللّه الصمد، أى: ليس فوقه أحد ولا يحتاج إلى أحد، بل هو وحده الذي يحتاج إليه كل ما عداه، إليه وحده يلجأ الخلق في الشدائد والأزمات جل جلاله وتباركت آلاؤه.
{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولد}
وهذا تنزيه للّه عن أن يكون له ولد أو بنت أو والد أو أم، أما كونه لا ولد له فهذا رد على المشركين الذين يقولون: الملائكة بنات اللّه، وعلى النصارى واليهود الذين يقولون: العزير والمسيح أبناء اللّه، ولم يكن اللّه مولودا كما قالت النصارى: المسيح ابن اللّه ثم عبدوه كأبيه، أما استحالة أن يكون له ولد فإن الولد يقتضى انفصال جزء من أبيه وهذا بلا شك يقتضى التعدد والحدوث ومشابهة المخلوقات، على أنه غير محتاج إلى الولد فهو الذي خلق الكون وهو الذي فطر السموات والأرض وهو الذي يرثهما.
أما استحالة كونه مولودا فهي من البديهيات الظاهرة لاحتياج الولد إلى والد ووالدة، وإلى ثدي ومرضعة، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد نعم ما دام واحدًا في ذاته ليس متعددا، وليس والدا لأحد ولا مولودا لأحد، فليس يشبه أحدا من خلقه، وليس له مثيل أو نظير أو ند أو شريك سبحانه وتعالى عما يشركون.
وهذه السورة مع وجازتها ردت على مشركي العرب وعلى النصارى واليهود كما مر وأبطلت مذهب المانوية القائلين بالنور والظلمة، وعلى النصارى القائلين بالتثليث، وأبطلت مذهب الصابئة الذين يعبدون النجوم والأفلاك، وردت على مشركي العرب الذين زعموا أن غيره يقصد عند الحوائج، وأن له شريكا تعالى اللّه عن ذلك كله.
وتسمى هذه السورة سورة الإخلاص، لأنها تضمنت إثبات وحدانية اللّه، وأنه لا شريك له، وأنه هو المقصود وحده في قضاء الحوائج، وأنه لم يلد ولم يولد، وأنه لا مثيل له ولا نظير، وهذا يقتضى الإخلاص في عبادة اللّه وحده، أو الاتجاه إليه وحده. اهـ.

.قال الصابوني:

{قل هو الله أحد} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المستهزئين: إن ربي الذي أعبده، والذي أدعوكم لعبادته، هو واحد أحد، لا شريك له، ولا شبيه له ولا نظير، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فهو جل وعلا إله ولحد أحد، ليس كما يزعم النصارى ويعتقدون بالتثليث (الأب، والإبن، وروح القدس) ولا كما يعتقد المشركون بتعدد الآلهة، قال في التسهيل: واعلم أن وصف الله تعالى بالواحد، له ثلاثة معانى، كلها صحيحة في حقه تعالى: الأول: أنه وأحد لا ثاني معه فهو نفى للعدد.
والثاني: أنه وأحد لا نظير ولا شريك له، كما تقول: فلان وأحد في عصره أي لا نظير له، والثالث: أنه وأحد لا ينقسم ولا يتبعض، والمراد بالسورة نفي الشريك، ردا على المشركين، وقد أقام الله في القرآن براهين قاطعة على وحدانيته تعالى، وذلك كثير جدا، وأوضحها أربعة براهين: الأول؟ قوله تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق}؟- وهذا دليل الخلق والإيجاد- فإذا ثبت أن الله تعالى خالق لجميع الموجودات، لم يصح أن يكون وأحد منها شريكا له.
والثاني: قوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}- وهو دليل الإحكام والإبداع- الثالث: قوله تعالى: {لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا}- وهو دليل القهر والغلبة- والرابع: قوله تعالى: {ما إتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض}- وهو دليل التنازع والإستعلاء ثم أكد تعالى وحدانيته واستغناءه عن الخلق {الله الصمد} أي هو جل وعلا، المقصود في قضاء الحوائج على الدوام، يحتاج إليه البشر، وهو مستغن عن العالمين، قال الألوسى: الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد، الذي يصمد إليه- أي يلجأ إليه- الناس في حوائجهم وأمورهم.
{لم يلد} أي لم يتخذ ولدا، وليس له أبناء وبنات، فكما هو متصف بالكمالات، فإنه منزه عن النقائص، قال المفسرون: في الآية رد على كل من جعل لله ولدا. كاليهود في قولهم {عزير ابن الله} والنصارى في قولهم {المسيح ابن الله} يعتقد النصارى بأن الإله ثلاثة أقانيم (الآب، والابن، وروح القدس) وهي عقيدة التثليث التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله وأحد} الآية ويعتقدون بأن الثلاثة وأحد، والواحد ثلاثة، والجنون فنون، ويزعمون أنهم موحدون، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
ومشركي العرب في زعمهم الكاذب أن الملائكة بنات الله فرد الله تعالى على الجميع، في أنه ليس له ولد، لأن الولد لابد أن يكون من جنس والده، والله تعالىأزلي قديم، ليس كمثله شيء، فلا يمكن أن يكون له ولد، ولأن الولد لا يكون إلا لمن له زوجة، والله تعالى ليس له زوجة، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {بديع السموات والأرض أنى يكون لهولم تكن له صاحبة}؟
{ولم يولد} أي ولم يولد من أب ولا أم، لأن كل مولود حادث، والله تعالى قديم أزلي، فلا يصح أن يكون مولودا ولا أن يكون له والد، وقد نفت الآية عنه تعالى إحاطة النسب من جميع الجهات، فهو الأول الذي لا إبتداء لوجوده، القديم الذي كان ولم يكن معه شيء غيره.
{ولم يكن له كفوا أحد} أي وليس له جل وعلا مثيل، ولا نظير، ولا شبية، أحد من خلقه، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} قال ابن كثير: هو مالك كل شيء وخالقه، فكيف يكون له من خلقه نظيز يساميه، أو قريب يدانيه؟ تعالى وتقدس وتنزه، وفي الحديث القدسي: «يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون على من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد». اهـ.

.التفسير المأُثور:

قال السيوطي:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد (1)}
أخرج أحمد والبخاري في تاريخه والترمذي وابن جرير وابن خزيمة وابن أبي حاتم في السنة والبغوي في معجمه وابن المنذر في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد أنسب لنا ربك، فأنزل الله: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد} لأنه ليس يولد شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله لا يموت ولا يورث {ولم يكن له كفوًا أحد} ليس له شيبة ولا عدل وليس كمثله شيء.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه أن المشركين قالوا يا رسول الله: أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو؟ ومن أي شيء هو؟ فأنزل الله: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد}.
وأخرج ابن الضريس وابن جرير عن أبي العالية رضي الله عنه قال قالوا: انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السورة {قل هو الله أحد الله الصمد}.
وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في الحلية والبيهقي بسند حسن عن جابر رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أنسب لنا ربك، فأنزل الله: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد}.
وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالت قريش، يا رسول الله: أنسب لنا ربك، فأنزل الله: {قل هو الله أحد}.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو بكر السمرقندي في فضائل {قل هو الله أحد} عن أنس رضي الله عنه قال: جاءت يهود خيبر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب وآدم من حمإ مسنون وإبليس من لهب النار، والسماء من دخان، والأرض من زبد الماء، فأخبرنا عن ربك فلم يجبهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل بهذه السورة {قل هو الله أحد} ليس له عروق تتشعب {الله الصمد} ليس بالأجوف لا يأكل ولا يشرب {لم يلد ولم يولد} ليس له والد ولا ولد ينسب إليه {ولم يكن له كفوًا أحد} ليس من خلقه شيء يعدل مكانه يمسك السموات إن زالتا، هذه السورة ليس فيها ذكر جنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة ولا حلال ولا حرام انتسب الله إليها فهي له خالصة، من قرأها ثلاث مرات عدل بقراءة الوحي كله، ومن قرأها ثلاثين مرة لم يفضله أحد من أهل الدنيا يومئذ إلا من زاد على ما قال، ومن قرأها مائتي مرة أسكن من الفودوس سكنًا يرضاه، ومن قرأها حين يدخل منزله ثلاث مرات نفت عن الفقر ونفعت الجار، وكان رجل يقرأها في كل صلاة فكأنهم هزئوا به وعابوا ذلك عليه فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وما حملك على ذلك؟ قال يا رسول الله: إني أحبها.
قال: حبها أدخلك الجنة.
قال: وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ويرددها حتى أصبح.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام أن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال لأحبار اليهود: إني أردت أن أحدث بمسجد أبينا إبراهيم عهدًا، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فوافاه بمنى، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أنت عبد الله بن سلام؟ قال: نعم، قال: أدن، فدنا منه، فقال: أنشدك بالله أما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقال له: أنعت لنا ربك، فجاء جبريل فقال: {قل هو الله أحد} إلى آخر السورة. فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أنك رسول الله، ثم انصرف إلى المدينة وكتم إسلامه.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب فقالوا يا محمد: صف لنا ربك الذي بعثك، فأنزل الله: {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد} فيخرج منه الولد {ولم يولد} فيخرج من شيء.
وأخرج الطبراني في السنة عن الضحاك قال: قالت اليهود يا محمد صف لنا ربك، فأنزل الله: {قل هو الله أحد الله الصمد} فقالوا: أما الأحد فقد عرفناه، فما الصمد؟ قال: الذي لا جوف له.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: أتى رهط من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه، ثم ساورهم غضبًا لربه، فجاءه جبريل فسكنه وقال: اخفض عليك جناحك، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه {قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد} فلما تلاها عليهم قالوا: صف لنا ربك كيف خلقه وكيف عضده وكيف ذراعه، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول وساورهم غضبًا فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته وأتاه جواب ما سألوه عنه: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} [الزمر: 67].
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه قال: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنسب لنا ربك، وفي لفظ: صف لنا ربك، فلم يدر ما يرد عليهم فنزلت {قل هو الله أحد} حتى ختم السورة.
وأخرج أبو عبيد وأحمد في فضائله والنسائي في اليوم والليلة وابن منيع ومحمد بن نصر وابن مردويه والضياء في المختارة عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ {قل هو الله أحد} فكأنهما قرأ ثلث القرآن». وأخرج ابن الضريس والبزار وسمويه في فوائده والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ {قل هو الله أحد} مائتي مرة غفر له ذنوب مائتي سنة».